الصراط على متن جهنم
قال الله تعالى {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا} الأنبياء 47 . عباد الله ما ذكر في بعض الأخبار أن الوحوش تجتمع يوم القيامة فتخر ساجدة فيقال لها ما هذا يوم السجود فتقول إنما سجدنا شكرا لله الذي لم يجعلنا من ولد آدم وجعلنا ممن يشهد فضائح بني آدم.
فإذا كان يوم القيامة وجاءت جهنم بأهوالها يضرب الصراط على متنها طوله خمسمائة عام وقد قيل طوله ستة وثلاثون ألف سنة من سنين الدنيا أرق من الشعر وأحد من الموسى وقيل أحد من السيف وأحر من الجمر وقد قيل إنه شعرة من جفن مالك خازن جهنم يمدها على متن جهنم عليه حسك وكلاليب قد تعلق بكل كلوب منها عدد نجوم السماء من الزبانية لو أن واحدا منهم أذن الله له أن يتنفس في الدنيا لأحرقها بإنسها وجنها وجميع ما ذرأ فيها ولأذاب جبالها وجفف بحارها . والصراط أسود مظلم من شدة سواد جهنم فلا يجوز يومئذ إلا من كان له نور ولا يكون النور إلا من الأعمال الصالحة فمن عمل عملا صالحا نجاه من النار ومن لم يقدم في الدنيا عملا صالحا حجب فيهوي في من على الصراط في نار جهنم ولا يجوز العبد او الامة الصراط الا بعد نشر الدواوين ووضع الميزان.
فإذا وزنت أعمال العباد وخف من خف وثقل من ثقل أمروا أن يمضوا إلى الصراط فيجيء كل إنسان إلى الصراط فيقحم الصراط فمن الناس من يضع عليه قدمه فيزل من أول قدم يضعه فيهوي في النار ومن الناس من يمشي القليل منه ويزل في النار ومنهم من يجوزه كالبرق الخاطف ومنهم من يجوزه كالريح الهبوب ومنهم من يجوزه كالطير السريع في طيرانه ومنهم من يهرول ومنهم من يكون كالضعيف إذا مشى ومنهم من يكون كالمبطون الذي يمشي على يديه ورجليه ومن الناس من يأتي إلى الصراط فتخرج النار فتأخذه فتهوي به كل هذا على قدر أعمال العباد وأنوارهم ورتبتهم على قدر القبول من الله تبارك وتعالى بها وعلى قدر تثقيل الموازين وتخفيفها.
فإذا أتى العبد من أمة محمد {صلى الله عليه وسلم} إلى الصراط فمن كان من أهل الذنوب ولم يكن له عمل يجوز به على الصراط بقي متحيرا لا يقدر على الجواز.
فبينما هم في شدة الفزع من هول الصراط إذ أقبل محمد {صلى الله عليه وسلم} فإذا نظر صلوات الله وسلامه عليه إليهم كساهم نور وجهه {صلى الله عليه وسلم} ما يجوزهم الصراط فيأخذ كل واحد من نور وجه المصطفى {صلى الله عليه وسلم} على قدر صلاته عليه في الدنيا فيستبق العباد في الجواز على قدر ما أخذوا من النور الذي أخذوه من نور وجه المصطفى وكلما أخذ الخلق من نور وجهه {صلى الله عليه وسلم} زاد الله تبارك وتعالى في النور في وجه الحبيب محمد {صلى الله عليه وسلم} فأكثروا من الصلاة على نبيكم {صلى الله عليه وسلم} فإن صلاتكم عليه مبلغة إليه.
المرجع: كتاب بستان الواعظين ورياض السامعين للشيخ الحافظ ابن الجوزي